في ذكرى انعقاد مؤتمر الصلح والانضمام (أسرارومؤامرات)
تمر في شهر
ماي الذكرى الثالثة والخمسون لانعقاد مؤتمر "الصلح والانضمام"، الذي احتضنته الولاية التاريخية السادسة
بداية من 7 ماي إلى غاية منتصف نفس الشهر سنة 1957، بمنطقة الجلفة دون وجود
أية أرشفة لهذا المؤتمر ولا معلومات تاريخية تحدد المعالم السياسية
لانعقاد هذا المؤتمر الذي شارك فيه الرائد "سي لطفي"، قبل أن يترقى
عقيدا عن الولاية الخامسة والرائد "أعمر إدريس" عن الولاية السادسة
وحسب بعض المصادر التاريخية،
فتعود خلفية انعقاد هذا المؤتمر إثر سقوط
كتيبة من المصاليين تابعة
للولاية السادسة ـ كان يقودها "عبد الرحمان بلهادي" وشاركت في معركة ريشة السبعين ـ
شهر أفريل 1957 في الأسر بالولاية الخامسة من طرف قيادات وجنود بهذه الولاية، وتم حجز هذه
الكتيبة بناء على شكاوى من مواطنين اتهموا الكتيبة بالتحريض ضد جبهة
التحرير الوطني وإلصاق تهمة الخيانة بها، بالإضافة إلى تهمة تأليب المواطنين ضد
الجبهة.. وكانت تضم الكتيبة 72 جنديا بعد سقوط العديد كشهداء، وأسر
الباقون من طرف الجيش الفرنسي.وكان من بين المحتجزين بالولاية الخامسة،
القيادي بالحركة الوطنية "محمد بلهادي" ـ شقيق "عبد الرحمان
بلهادي" ـ الذي قدم من معركة عين الملح جريحا لخلافة أخيه الذي وقع في الأسر لدى
المستعمر، وكان يرى "محمد بلهادي" نفسه خليفة "زيان عاشور"
زعيم المصاليين بالصحراء.. وحتى لا تتفاقم وتتطور الأحداث، تدخلت أطراف لتقويض النزاع
بين أتباع الحركة الوطنية والجبهويين، وسعت لفك أسر الكتيبة، لكن المساعي
التي قادها "سي شوقي" ـ المجاهد "الطيب فرحات" سيناتور
حاليا ـ باءت بالفشل، وتم توظيف شخصية "اعمر إدريس" في مفاوضات جديدة نظرا
لعلاقاته الواسعة وسمعته في صفوف الثوريين من جبهة التحرير أو الحركة الوطنية، برغم
أنه (جبهاوي)، وتم التوصل إلى اتفاق إثر لقاء بجبال "قعدة
القمامتة" بحضور الرائد "سي لطفي"،
ممثلا عن قيادة الولاية الخامسة
التي كان يقودها "عبد الحفيظ بوصوف". ورافق "سي اعمر" في هذا اللقاء عدة
مجاهدين، منهم (مڤلاتي، بوعزة، فرحات وبلقاسم قرادة). كما حضر اللقاء أعيان من
منطقة العمور والإدريسية والشارف، وهي مناطق تابعة للولاية الخامسة وحدودية ما
بين الولايتين السادسة والخامسة، وهذا ما لمحت له (مذكرات المجاهد
مصطفى قليشة "شاهد على جهاد الجزائر" التي صدرت سنة 2006)، وأشار في
مذكراته في الصفحة 23 دون أن يحدد مصطلح "مؤتمر الصلح والإنضمام" للقاء
الذي جمع سي لطفي وسي اعمر ادريس فيقول: "ذات صباح، قام بزيارتنا سي لطفي
مسؤول المنطقة الثامنة، وكانت زيارته مخصصة من أجل إدماج الجنود التابعين لعمر
إدريس.. ولحق بنا أيضا المجاهد الطيب فرحات، موفدا من طرف اعمر إدريس
للتفاوض بشأن الكتيبة المحتجزة لدينا، ودارت بينه وبين مسؤولي الكتائب محادثات
توجت بمقابلة أجراها مع مسؤول المنطقة سي لطفي، تطرقا خلالها لعدة
نقاط تطلبت حضور مسؤول المنطقة سي اعمر إدريس". وتضيف نفس المذكرات
"في جوي أخوي وثوري، تم التفاهم على عدة نقاط، كما تم تأجيل بعض المواضيع التي
كانت تتطلب بأن تفصل فيها القيادة العليا، ولعل هذا ما جعل القائد سي
لطفي يطلب من سي اعمر إدريس ضرورة الذهاب إلى المغرب لمقابلة
بوصوف.."، ما يؤكد أن زيارة سي اعمر إدريس للمغرب لم تكن بداعي جلب السلاح، كما أشيع
وسط المجاهدين في تلك الفترة، بل كانت من أجل وضع آخر الرتوشات على
الإتفاق الذي حصل بينه وبين سي لطفي.كما تؤكد مذكرات الملازم مصطفى بن اعمر
"الطريق الشاق إلى الحرية"، أن قضية السلاح كانت ضمن مهام الكتيبة
التي يقودها، إذ يقول إنه هو ومجموعة من المجاهدين (لزهاري بن شهرة، نائل علي..)
تكفلوا بجلب السلاح من الجهة الغربية بتكليف من العقيد علي ملاح. وانتقل وفد
مشترك من الطرفين إلى جبل "ڤعيڤع" بدار الشيوخ بالجلفة، لإتمام
جوانب الإتفاقية، وتم شرح بنود الإتفاقية لأنصار الحركة الوطنية وإقناعهم بضرورة
الانضمام إلى جبهة التحرير الوطني، وهو ما بدأ يتغلغل في صفوف الوطنيين وتم
إطلاق سراح الكتيبة المحتجزة بالولاية الخامسة، إثر بوادر الإنصهار
التي أسس لها مؤتمر الصلح والإنضمام.. لكن أبت ظروف طارئة إلا أن تنسف
بقرارات المؤتمر وتضع الولاية السادسة على كف عفريت، الأمر الذي دفع بسي
اعمر إدريس إلى التنقل للمغرب لمقابلة عبد الحفيظ بوصوف، كما نصحه بذلك
سي لطفي سابقا، لمناقشة بعض حيثيات المؤتمر وبعض المسائل العالقة،
واستخلف وراءه المجاهد "عبد الرحمان حاشي" كمسؤول سياسي، في حين كان
"العربي قبايلي" مسؤولا عسكريا.. وفي فترة غياب سي اعمر إدريس، حدثت تغييرات
كبرى عصفت بكل المجهودات التي كان يبذلها هذا المجاهد الوفي، الذي
استشهد لاحقا بعد أسره.ومن بين أهم التغييرات التي وقعت، حادثة إغتيال
العقيد "علي ملاح" ـ قائد الولاية السادسة ـ في الثامن والعشرين من شهر ماي
1957.. وإثر تقلب الأحداث في غياب "سي اعمر إدريس"، قام
"العربي قبايلي" المسؤول العسكري بتحرير استدعاءات وجهها للمصاليين ـ
المناوئين لقدوم الجنرال "بلونيس" لقيادة المصاليين ـ مستخدما دهاءه ومستغلا
طيبة المجاهد "عبد الرحمان حاشي"، باستخدام خاتمه في إمضاء الإستدعاءات التي
استدرجت مئات المصاليين المعارضين لبلونيس وأعدم ما يقارب من 100 مجاهد بين
مسؤول عسكري وسياسي بجبل تقرسان، ولم ينج من الإعدام إلا الضابط "محمد
بلهادي" الذي تمكن من الفرار مقيدا، فيما اعتقل الباقون بمن فيهم "عبد
الرحمان حاشي"، المسؤول السياسي، وأطلق "العربي قبايلي" إشاعات بأن
الجبهة أعدمت كلا من "اعمر إدريس" ومساعده "الطيب فرحات"، ما أثار
بلبلة وسط المجاهدين، كما يؤكد ذلك كتاب لمحمد العيد مطمر عنوانه "العقيد محمد شعباني
وجوانب من الثورة التحريرية الكبرى" في ص 100/101. وبتسارع الأحداث
وسقوط الكثير من قيادات الولاية السادسة، تم بذلك تمهيد الطريق أمام الجنرال
"بلونيس" لدخول الولاية السادسة..
الزيارة التفقدية للضابط لطفي و اجتماعه بسي عمر في شهـــــــــــر ماي 1957
بعد معركة جبل تقرسان انسحبنا إلى جبل القعدة و معنا أفراد الكتيبة التي تنقلنا من أجلــهـا و أخذنا راحتنا الكافية هناك و بعد ما هدأت الأجواء من غليان العدو الفرنسي و غابت طائراته عن التحليق استغلينا الفرصة و تحولنا إلى جبل خناق عبدا لرحمن و اتخذنا منه مركزا لنا.
و ذات صباح قام بزيارتنا سي لطفي مسئول المنطقة الثامنة و كانت زيارته مخصصة من أجل إدماج الجنود التابعين لعمر إدريس المتواجد آنذاك بجبل مناعة و قعيقع و كان هؤلاء الجنود على درجة عالية من التدريب و الانضباط و تصادف أن لحق بنا أيضا المجاهد الطيب فرحات موفدا من طرف عمر إدريس للتفاوض بشأن الكتيبة المحتجزة لدينا و دارت بينه و بين مسئولي الكتائب محادثات توجت بمقابلة أجراها مع مسئول المنطقة سي لطفي تطرقا خلالها إلى عدة نقاط تطلبت حضور مسئول المنطقة سي عمر إدريس و طلب من الطيب فرحات بصفته المبعوث الخاص له أن يحرر رسالة بخط يده يطلب فيها منه الالتحاق بمركز خناق عبد الرحمن علمنا بعد ذلك بأن هناك إشارة سرية بين الرجلين إذا تعلق الأمر بالمراسلات بينهما و تكمن كلمة السر في الكيفية التي تمضى بها الرسالة حيث تم الاتفاق على الإمضاء بطريقتين كانت إحداهما تدل على أن الأمور عادية و الثانية تؤشر إلى خطورة الموقف و لم نعلم بذلك إلا مؤخرا عن طريق الطيب فرحات نفسه و هذا إن دل على شيء إنما يدل على حنكة الرجلين و حرصهما الشديد على اتخاذ الحيطة و الحذر في تلك الظروف الصعبة و عندما بلغت الرسالة إلى سي عمر إدريس و كانت على شكل استدعاء مذيل بالإمضاء المتفق عليه مسبقا فلبى الدعوة و بدون تأخير و قدم في وفد إلى مركز خناق عبد الرحمن و قد خضي باستقبال من طـــرف القيـــادة يليق بمقامه كقائد محنك و كان الكل في انتظارهم هناك و في مركز القيادة دارت بينهما محادثات حول الوضع بالمنطقتين و حاول الرجلان تخطي الحواجز النفسية و الخصومات الهامشية سواء على المستوى العسكري أو السياسي في جو ثوري أخوي و تم التفاهم على عدة نقاط كما تم تأجيل بعض المواضيع التي كانت تتطلب بأن تفصل فيها القيادة العليا و لعله هذا ما جعل القائد سي لطفي يطلب من سي عمر إدريس ضرورة الذهاب إلى المغرب لمقابلة سي بوصوف قائد الولاية الخامسة و بحضور سي لطفي حتى تكون للاتفاقية الصبغة الرسمية بعد موافقة سي بوصوف طبعا.
و بعد هذا الاجتماع عاد سي عمر و الطيب فرحات إلى منطقتهما بقعيقع لترتيب أمور المنطقـة و الاستعداد للسفر ‘إلى المغرب و فور وصوله استدعى قادة الوحدات و أطلعهم على فحوى المحادثات التي دارت بينه و بين سي لطفي كما أخبرهم على نيته في السفر و عين حاشي عبدالرحمن ليخلفه في قيادة الجيش أثناء غيابه بمساعدة بكباشي عيسى، كما اختار عددا قليلا من الرجال لمرافقته في رحلته نذكر منهم: مساعده الطيب فرحات، لقرادة بلقاسم، بوعزة, سليماني سليمان و جلول مقلاتي وامحيمدة بوعزة و في طريق رحلتهم عرجوا على مركز خناق عبدالرحمن ليتزودوا بالمئونة و فرقة تؤمن لهم الطريق و ترشدهم على المسالك وكلف بالمهمة الشهيد المدعو لمزكرم كقائد على المجموعة و كنت من ضمن جنودها فانطلقنا ليلا كعادتنا نحو جبل بونقطة ناحية البيض فاجتزناه إلى جبل تمدة القريب من عين الصفراء و هناك اتصلنا بالمجاهدين المتواجدين بمركز تمدة و أخبرناهم بالهدف الذي جئنا من أجله فكانت استجابتهم فورية و أخبرونا بأنهم على أتم الاستعداد لإتمام المهمة فاتفقنا معهم على الترتيبات لتوصيل الرجلين إلى هدفهما المنشود و ودعنا سي عمر و رفيقه سي الطيب و عدنا إلى مقرنا بمركز خناق عبدالرحمن بالقعدة و بقينا فترة بمركزنا نقوم بنشاطات مكثفة مـــن تـــدريبات و توجيهات و كان بعض القادة يلقون من حين لآخر محاضرات تتعلق بالثورة و التكوين السياسي و العسكري و الأوضاع التي كانت عليها البلاد و بلدان أخرى مستعمرة في العالم و كان كل هذا يزيد من توعيتنا و صقل تجربتنا فكنا نستفيد كثيرا و نزداد عزيمة و إرادة.
و في إحدى ليالي شهر ماي 1957 علمنا من مصادرنا " الاتصالات" بأن الجيش الفرنسي علم بوجودنا في خناق عبدالرحمن و تأكد الخبر لما علمنا بأن فرنسا تحشد لنا قوات ضخمة عندما حددت مركز تواجدنا عن طريق العملاء الموالين لها، و كنا يومها في ثلاث كتائب واحدة قدمت إلينا من الولاية السادسة المتمركزة بالشمال بهدف الحصول على دفعة من الأسلحة و كان يقودها الملازم مصطفى بن عمر و يرافقه المجاهدان لزهاري بن شهرة و نائل علي.