الأنـــيــــن الـــصـــامــــــت
كنت إذا رجعت من المدرسة ، أجري نحوك لتطفئي نار شوقي لك ، فأرتمي في أحضانك
لكنك تقابلينني بوجه عبوس ، فتبادرينني بطلب إحدى حاجاتك ، مرة ترسلينني للبقال و مرة
أخرى للجيران ، فأنفذ أوامرك و أنا مكسور القلب ، مما يوحي لي أنك فقط تريدين أن أختفي
من أمامك . و في طريقي تتقاطر على ذهني جملة أسئلة عن أسباب سوء معاملتك لي ، الذي
يتكرر معي باستمرار، و في كثير من الأوقات ، فلماذا يا أمي ؟ خاصة و أني هادئ الطباع
، جميل السجايا ، حسن المعشر ، وعندما أعود و أجدك تعانقين أخي "أحمد" أحس و كأنك
تغرزين إسفينا في قلبي، و أنا أفكر في مصابي تقاطعين أنيني الصامت بصوت جهور ملؤه
وصفة علقمية من كلمات التأنيب و التجريح و القدح في الخلقة و الخلق قائلة : لماذا لم
تحضر ما أرسلتك إليه ؟ و دون أن تتيحي لي الفرصة للكلام تعقبين قائلة : لو بعثت "أحمد"
الأصغر منك لقام بالمهمة أحسن قيام . هنا ستتبدد حيرتي و تتوضح الصورة أمامي ، فمن
كلماتك فهمت سبب محنتي ، إنه ذمامة وجهي و ضعف قدراتي ، لو كان لي في الأمر شيء
لأسعدتك به و لأرضيتك به ، لكن يا أمي هذا من شأن ربي ، و لله في خلقه شؤون ، لكن
تأكدي يا أمي أني لن أستطيع إغضابك بكلمة ، بل حتى بزفرة أف ، هذا ما ربتنا عليه
معلمتنا فالأم من أحسن ما في الوجود .
أصبحت انطوائيا ، وتأثرت دراستي بشكل مهول ، و رسبت عدة مرات ، فكان مصيري
الطرد من الثانوية ، فلم أجد بدا من أن أخرج للبحث عن مهنة تحفظ لي كرامتي و تعينني على
نوائب الدهر. أما أخي فقد تخرج مهندسا ، ما لبث أن صار موظفا ساميا.
كبرت و كبر معي ألمي ، فبعد أن تزوجت ، كنت أدعوك لبيتي الذي هو بيتك ، فتأبين
تلبية دعوتي نظرا لفقري و فاقتي ، و لأنك لا ترضين بشظف العيش ، وتؤثرين العيش مع
أخي لأنه ميسور الحال . لقد غاب عنك أمي أن الرزق بيد الله يبسطه لمن يشاء و يضيقه
على من يشاء .آه يا أمي لو فتحت علي كنوز الدنيا لكسوتك أجمل الثياب ، و لأطعمتك ألذ
الطعام ، آه يا أمي لقد قلت حيلتي ، و ما أدري كيف أسعدك و أرضيك ، لقد بِـتـّـُـ كمن يحاول
التقاط نجمة في السماء ، لكن عجز عن الوصول إليها.لقد ألفني الألم و ألفته ، و صار الأرق
ضيفي في الكثير من الليالي ، لكن و مع كل ذلك ، سأظل أحتسي المرارة ولا أخدشك ولو بحرف
واحد،لأن ذلك أهون لدي من إغضابك،وسأبقى أطرق باب قلبك حتى ينفتح أو أهلك دونه.
المجال مفتوح لآرائكم و تعاليقكم و حتى لانتقاداتكم حول الموضوع
الذي يتناول خطر المجاهرة بالتفضيل بين الأبناء.